الثلاثاء، 4 مارس 2008

جماع واقعي











كنت قد غطست في النوم الى عمق مخيف من دون أوكسجين كاف. قضيت النهار كله بمضاجعة زوجتي ، فاليوم كان عطلة. نمت مبكرا. حوالي الساعة السابعة مساءا. والآن لابد من أن أخبركم بهذا الشيء : هناك بعض الأمور التي لا أقدر على تجنب الكلام عنها الآن. أولا : لا أستطيع أخفاء انزعاجي ، ولكم أقع فيه بسهولة ، من الاشخاص الذين يسردون أحلامهم أو قصص الافلام التي شاهدوها ، وقد أناقض نفسي حين أتكلم ، ولو قليلا ، عن حلم البارحة الذي أُرسلت إلي شفراته أثناء النوم. ثم ما الجديد في هذا ، حتى الضفادع والنباتات تحلم. ثانيا : أنا رجل كئيب ، ومن المنطق أن يكون ما أختلقه واقعيا . كما أرجو أن تعرفوا بأن الشخص الكئيب لاتمنعه كآبته من أن يجيد المضاجعة شأن قرد فحل. هذه فتوى أقولها بحكم تجربتي ، والمنطق الذي ابتكرته حول تلك الاختلاقات. ثالثا : لا يمكنني أن امزح أو ألطف أجواء السرير أثناء اللهاث. علي الإعتراف بأن هذا ماتعيبه عليّ زوجتي التي غالبما تمازحني بلطف وذكاء حين أدغدغ بظرها بطرف قضيبي رغم أني أفعل ذلك بطريقة قتالية ، كجندي ينفذ الأوامر بصرامة وتفان. بإختصار أنا كئيب وصارم حتى في نومي ولامكان هناك للاحلام السعيدة.


أسمها ماريا. في السادسة والعشرين من العمر. طويلة من دون ثديين مغريين. عظامها بارزة وتبدو كأنها قد ُجوّعت في زنزانة. زبونة مواظبة على الأكل وشرود الذهن في المطعم الذي أعمل فيه. طلبت سندويج شاورمة مع كثير من الخردل ، وزجاجة كوكا كولا. كان يقف خلفها زبون آخر هو العجوز صاحب دكان الأنتيكه. كان يشبه يهوديا من أفلام المحارق النازية. رجل طيب مختص ببيع الخناجر والبنادق القديمة. كان مهاجرا من أصل ألباني. فتحت ماريا حقيبتها الصغيرة ودست في يدي ورقة مطوية ومعها ثمن السندويج ، أخذتْ المملحة الصغيرة وجلستْ في زاوية مثل مالك الحزين. إبتسم العجوز الألباني ، وأمال رقبته قليلا الى اليمين وهمس مثل ممسوس : لا تعوّل كثيرا على قدرة دماغك في فك الرموز ، تعلمْ الرقص بدل القراءة. بعدها طلب وجبته المفضلة : همبرغر مع قطعتين من الجبن. إلتفتُ الى زميلي في المطعم والذي لم يكن معنا حينها. كان مشغولا بأعداد الحمص بطحينة ، غارقا بالعرق ويدمدم بأغنية قديمة لأم كلثوم ، فات الميعاد. رابعا : يكون قاتلا كل رجل كئيب لايزال يعمل ولم يعتزل الحياة بعد. وممكن أن تقع الجريمة في أي لحظة. فتحتُ الورقة من دون إكتراث وأنا أنظر بطرف عيني الى ماريا : ( أرجوك ، ضاجعني الان ! ). كانت قد كتبت بحروف صغيرة الحجم وبدت كأنها جملة من النمل المتجمد على الورقة. حسنا ، ليست هي المرة الاولى. زبائن كثيرون أرادوا مضاجعة حامية مع عرب لا يمكن حتى لعاصفة جليدية ضارية أن تمنع عتلاتهم الصحرواية من الأنتصاب ! أقولها بكل صراحة وتواضع كنا كرماء مع كثيرين من الزبائن. زميلي الذي أخذ يغني لفيروز الآن لم يكن يميز بين عجوز ومراهقة وشاب ، كان يوزع عليهم المني بالتساوي. لكن طريقة هذه المرأة كما رأيتم ، هي سينمائية كثيرا. وهذا الألباني العجوز ما دهاه اليوم كي يتفوه بتلك الحكمة. خامسا : الإنسان الكئيب يكره الاختلاط بمن هم على شاكلته ويحملون جين الكآبة ، وقد يبدو بنظر الآخرين غرابا حشر نفسه بين اللقالق. في الحلم كانت ماريا زوجتي. ونحن لدينا بنت معاقة. كنا نجلس ونشاهد في التلفزيون الحروب والفيضانات. تكلمتْ عن بعض خطط للسلام وأخرى لمحاربة الرب. وكنا قد تأخرنا كثيرا في مجابهته - قالت. تكلمت لنصف ساعة من دون توقف ثم طلبت نبيذا. تكلمتْ عن قوة الإنسان الخفية التي لم تسمح له سبل العيش البالية بالتفرغ لها. لابد من ثورة ! مثلا : كأن يستيقظ الجميع في الصباح الباكر ، وليس للذهاب الى العمل أوغيره بل كي يذهبوا الى الحديقة العامة ، و يجلسون بعد حركات رياضية بسيطة كي يقراوا أو يحكوا قصة قصيرة . وعند الظهر يتم توزيع القهوة والكعك وبعض الشذرات الخالدة على الحاضرين. كأن تعلق على رقبة أحدهم ، كتميمة، شذرة سيوران ( لا نشعر بمذاق الأيام الا حين نتهرب من ضرورة أن يكون لنا مصيرٌ ). تظاهرتُ آنذاك بتنظيف أرضية المطعم كي أتفحص جسدها. سادسا : كنت مغرما بالهياكل العظمية ومازلت. كانت ماريا نحيلة الى درجة مخيفة. مسحت شفتيها بباطن يدها وكرعت زجاجة الكولا كلها. بعد أن يتفرق الحاضرون عند الظهيرة ، تواصل زوجتي الطيبة الحديث عن ثورتها : يتوجه الحضور في مجموعات الى المراقص ، وهناك توزع عليهم السكاكين والمطارق. ويكون متوثبا عزف بعض السمفونيات الكلاسية. لم أفهم ما الفائدة من السكاكين والمطارق ، لكني انتظرت أن تنهي حديثها كي أسألها. كانت ماريا واقفة أمام واجهة المطعم تحدق في الفراغ . أوكي ، لم لا... لن يستغرق الأمر أكثر من نصف ساعة. زبٌّ واحد سريع من أجل هذه المسكينة. يمكن لزميلي أن ينوب عني في المطعم والتحجج بأني ذهبت الى الصيدلية لشراء دواء لزوجتي المريضة. سابعا : رغم أن الشخص الكئيب كائن متزن الى حد ما لكنه قد يجازف في أي لحظة مثل سائق شاحنة ثمل في يوم ممطر. حين يحل المساء ، اضافت زوجتي جذلة : على الجميع ان يتأملوا أنفسهم في المرايا ساعة ونصف بعد حفلات المراقص. أنا أبدلتُ قميص المطعم الأبيض بقميص رياضي جميل لكني لم أبدل البنطال ولا حذاء العمل. سرت معها من دون أن نتفوه بكلمة. كنت أجهد في اللحاق بها. كانت تمشي مثل عداء غاضب. نسيتُ القول إن العجوز الألباني همس في أذني قبل خروجي ( لاترفض حلما ، لكن من دون صراخ. أرجوك ... ! )..

إنعطفنا الى شارع وراء المطعم ، ودخلنا من الباب الخلفي للبناية. خيل إلي أن شقتها التي كانت في الطابق الثاني تجاور شقتي. اذن ماريا فنانة. فقد كانت الشقة مكتظة بمنحوتات لم تنه ولوحات زيتية ومائية وكل اكسسوارت فوضى بيوت الفنانين. راحت الى المطبخ وجلست انا على كنبة برتقالية اللون متربة. كنبة صغيرة وجميلة كأنها قارب أحيل إلى التقاعد. شاهدتُ لوحة مائية لبنت صغيرة. بدت كبنت ، ويمكن أن تكون كلبا مشوها ايضا أو بقايا فواكه متعفنة. كل شيء يعتمد على مزاج من يشاهدها. وجدت أنه بعد البحلقة في المرايا، تقترح زوجتي : يتجه الجميع للبارات مرة ثانية لشرب النبيذ والأستماع من المذياع الى قصائد الشعر. ثامنا : لم تقدم زوجتي بعد ذلك أيَّ اقتراح ُمجدٍ يخصّ ثورتها ضد الرب والزمن ، غير تكرارها الكلام عن طرق شرب النبيذ : بعد الجنس الجماعي الذي اقترحته يكون النبيذ حاضرا. نبيذ بعد السباحة في النهر. نبيذ للضيوف أثناء عملية جراحية لقلب مريض . حتى القبور بعد نبشها وجمع ما فيها من عظام ُتدفن من جديد بطين ممزوج بالنبيذ. و الآن سمعتُ صوت أطباق تتكسر على الارض ، أردت الذهاب الى المطبخ غير أني شعرت بأننا لسنا وحيدين في الشقة. جاءت بزجاجة فودكا وجلست أمامي على الارض. قدمت لي سيجارة ثم كرعت من الزجاجة بشراهة أمرأة تودع الحياة. أردتُ أن أبدي ملاحظة عن لوحة البنت. لكنها زحفت الى جهاز التسجيل ثم أخذت ترقص وتتلوى كالأفعى وهي متمددة على ظهرها فوق سجداة هندية. أما أنا فركعتُ عند قدميها ونزعت حذائها الممزق ، لكنها نهضت بسرعة ومضت الى غرفة النوم. تمددت بدوري على السجادة . عادت بعد قليل عارية تماما. أخذت من على الكرسي صدرية بيضاء ملطخة بالألوان وبلا أزرار وأرتدتها بطريقة حالمة. دارت حول نفسها ، ثم سجدت عند قدمي. وبدأت تفك حزام بنطالي ، جردتني من ملابسي ثم طارت من جديد بأتجاه غرفة النوم. لكن ماذا ؟! عادت هذه المرة من المطبخ وهي تحمل إبنتي الصغيرة ! آه ، ألم أقل إني أمقت الناس الذين يروون أحلامهم. لكن أصبروا قليلا ، أرجوكم ، لاتهربوا. سأوضح الامور الآن ببساطة ، باختصار شديد : ماريا زبونة المطعم هي التي دخلت غرفة النوم ، لكن زوجتي ماريا هي التي خرجت من المطبخ ، لم تكن زوجتي ( أعول على أنكم فهمتم الأمر) ، أقصد أنها كانت زوجتي في كابوس البارحة وكان لي بنت منها. هذا ما حصل البارحة ، لكني في هذه اللحظة نائم داخل هذا اليوم. تاسعا : ليس الكئيب وحده من يعرف مثل هذه المأزق ، فالجميع متورطون فيه أيضا ، حين تدرك أنك نائم وتحلم ، تحاول أن تستيقظ ، لكن أنفاسك تضيق ، ثم يجرّك الحلم من شعرك الى دهاليزه ثانية ً وأنت عاجز عن دفع باب الحلم والخروج. لقد تعبتُ حقا. جهدت ُ في أن أفتح عيني. ركبتْ زوجتي ماريا فوق فخذيّ ، بينما دخلت ماريا الاخرى هذه المرة من باب الشقة وهي تحمل سكينا طويلة. وقفت تراقب الاولى وهي تمص قضيبي بنهم وحشي. أنا لم أستيقظ بعد ، بل أملي هذه الحكاية الآن على زوجتي الفعلية الفزعة التي تريد أن توقظني بأيّ ثمن. وتمنعني كآبتي أيضا من أن أطيل رواية هذه الحكاية. أمنيتي الوحيدة أن أصحو وأعود الى عملي ، فأنا مسؤول عن ثلاثة أولاد وبنت. كما أني لا أريد أن أموت نائما. عاشرا : كاتب هذه السطور إسمه حسن بلاسم ، لهذا أنا اختنق مرتين. مرة بسبب الحلم وأخرى بسبب ركاكة أسلوب مثل هذا الكاتب وشطحاته المضحكة. وأخيرا : حتى لو قدر لي أن أفيق فيما بعد وأكافئ زوجتي بمضاجعة حامية طوال النهار على حسن تصرفها حين رشت الماء البارد على وجهي أثناء صراخي عندما شرعت ( الماريتان ) بحز خصيتيّ بكل شبق ، فأنا لن أتخلى عن النظر بكآبة وذعر الى هذا العالم الغامض. ما أقصده هنا أني لن أحمد سماءا ًولن أشكر أرضا ً...


أعددتُ سبعة سندويشات لماريا الجميلة ولزميلاتها في أكاديمة الفنون حسب الطلبية التي كتبتها على تلك الورقة. كذلك تذكر أحد الموجودين في هذه القصة أميل سيوران مرة أخرى حين قال : ( المياه كلها بلون الغرق )...



:::





هلسنكي ـ 2006


ليست هناك تعليقات: